لدى كثيرين منا ذكريات عزيزة عن مغامرات الطفولة وسط الطبيعة. وهذه المغامرات قضيناها عادة في ساعات نهار الصيف الطويلة. فقد كان الصيف بالنسبة لي فرصة لاكتشاف الغابة القريبة من المنزل وتسلق الأشجار ومداعبة بعض الحشرات بالعصا. لكن اتضح بجلاء أن تغير المناخ يهدد خبرة الطفولة في حد ذاتها، وكان من المفترض أن يكون هذا الصيف استراحة من ضغوط الجائحة. 
وتجلت الفوضى المناخية في يونيو الماضي، بعد أن شهدنا درجات حرارة متطرفة في الغرب والشمال الغربي وحرائق غابات خانقة في كاليفورنيا وفيضانات في ديترويت. وجاء يوليو بجولة أخرى من موجات الحرارة والأعاصير. صحيح أن هذه الظروف القاسية تؤثر على الجميع، لكنها تمنع الأطفال من مغادرة المنازل، فيصبحون أقل نشاطاً وأكثر عرضة للمكوث طويلاً أمام الشاشات. 
وعلى سبيل المثال، ذكر خبراء أن من شبه المؤكد أن نوبة الحر الشديد في شمال غرب المحيط الهادئ سببها تغيّر المناخ. وألغت مدينة بورتلاند في ولاية أوريجون الفصول الدراسية الصيفية، وأغلقت بعض برك السباحة بسبب درجات الحرارة المرتفعة قياسيا. وألغت مدينة جاكسونفيل في ولاية فلوريدا كل المعسكرات الصيفية وحمامات السباحة قبل إعصار «إيلسا». وأجبرت الحرارة بعض معسكرات الصيف على فرض البقاء بالداخل في الساعات الأشد حرارة. والشواطئ، مثل «أوتر بانكس» في نورث كارولاينا، أخذت شكلاً جديداً بسبب ارتفاع مستويات البحر، وبعضها اختفى مع سطو المحيط عليها. وحرائق الغابات التي تبدأ حالياً في وقت مبكر من العام وتحرق قطاعات أوسع من الأراضي أغلقت مناطق الترفيه، وتسببت في حاجز من الدخان والرماد بين الأطفال والطبيعة. 

والعواقب أشد وطأة على الأطفال الذين يحاولون الترفيه من آثار التعلم عن بُعد في ظل الجائحة. فاللعب وسط الطبيعة أساسي لنمو الأطفال. وتشير أبحاث إلى أن إمكانية الخروج إلى المساحات الخضراء يحسن الصحة البدنية للأطفال وتفاعلهم الاجتماعي وإبداعهم في حل المشكلات، وغيرها. لكن عدم إمكانية الدخول للطبيعة في بعض المناطق الحضرية كانت تتقلص بالفعل حتى قبل الفوضى المناخية للصيف الحالي. فقد نحت الصحفي ريتشارد لوف في عام 2005 مصطلح «اضطراب عجز ميزان الطبيعة» في كتابه الذي بعنوان «الطفل الأخير في الغابة». وكتب لوف يقول إن زيادة مشاهدة الشاشات، بالإضافة إلى عوامل أخرى تصاحبها تتسبب في «إضعاف الحواس ومعدلات أعلى من الاكتئاب وضعف الإبصار لدى الأطفال». 

وموجات الحرارة أصبحت تبدأ في مدن أميركية كبرى في وقت مبكر من العام وتنتهي في وقت متأخر. وخلال العقدين الأول والثاني من القرن الحالي، زاد أمد موجات الحر ما يقرب من شهر، وفقا لوكالة الحماية البيئة. والآن، زاد أمد موجات الحر ما يقرب من شهرين عن أمدها المعتاد في ستينيات القرن الماضي. صحيح أن الأطفال لطالما عاشوا في مناطق حارة، لكن بعض المواقع الشهيرة بارتفاع حرارتها أصبحت أقل راحة في ممارسة الأنشطة خارج المنازل. وفي العقد الماضي، تضاعف المعدل السنوي للوفيات الناتجة عن ارتفاع الحرارة في أريزونا. وأصبح بقاء الأطفال طوال اليوم، صيفاً، في الخارج خطراً. فقد ذكرت جولين راسل، أستاذ علوم الأرض في جامعة أريزونا، أنها تركت، العام الماضي، ابنها البالغ من العمر عشر سنوات في الخارج طوال اليوم ليركب الدراجة، لكنه عاد مصابا بضربة شمس. 

والأطفال يتنفسون بسرعة أكبر بكثير من الكبار، وقد يفقدون السوائل بمعدل أسرع من الكبار، ولذا فهم عرضة بشكل خاص للتضرر من تلوث الهواء وتطرف الحرارة. وذكرت دروية «لانست» الطبية بوضح في تقرير لعام 2019، بشأن الصحة والمناخ، أن «الأطفال من بين الأكثر تضرراً من تغير المناخ». 

والحقيقة المُرة هي أننا مازلنا في المرحلة الأخف وطأة من ارتفاع حرارة الكوكب. ففصول الصيف يتوقع أن تصبح أشد حرارة. وتوصل تقرير صادر عن «اتحاد العلماء المهتمين» إلى أنه بحلول منتصف القرن (بين عامي 2036-2065) في الولايات المتحدة، «سيزيد متوسط عدد الأيام في العام التي ترتفع فيها درجات الحرارة عن 100 درجة فارنهايت (نحو 38 درجة مئوية) بمقدار الضعف، وعدد الأيام في السنة التي ستزيد على 105 درجات فارنهايت (نحو 40.5 مئوية) ستبلغ أربعة أضعاف عددها الحالي». 
والإضرار باللعب وسط الطبيعة يمثل اهتماماً فلسفياً وعملياً أيضاً. فالرسائل الضمنية التي يتلقاها أطفالنا عن علاقتنا بالطبيعة يؤثر على النماذج العقلية لكيفية عمل العالم والقيمة فيه. فالسماح للطفل بالخروج واللعب هو نزعة غير استهلاكية. فكل ما يحتاجه الاستمتاع بالخارج هو وقاء من الشمس وحذاء وخيال، لكن البقاء في المنزل وإغراء الالتصاق بالشاشات يلقي بظل حزين على الطفولة، ويشكل رغبات ستستمر إلى الرشد. 

ومثل كثير من الأسقام الأخرى، فالضرر الناجم عن تقييد حركة الأطفال أشد قسوة على الأطفال غير البيض وأطفال الأسر الأقل دخلاً. وعلى مستوى العالم، يتضرر الأطفال الأفقر بشكل غير متناسب من تغير المناخ، وبعضهم يواجه تهديدات لوجودهم. فقد أشارت جماعة «الغابات الأميركية» للمحافظة على البيئة إلى أن «خريطة غطاء الأشجار في أميركا هي في الغالب خريطة للدخل والعرق. لأن الاشجار أقل انتشاراً غالباً في الأحياء ضعيفة الدخول وأحياء غير البيض». وغطاء الأشجار يعني الظل، وافتقار الظل يخلق مساحات تحول فيها شدة القيظ دون لعب الأطفال بسلام. وهناك ارتباط قوي أيضاً بين الرخاء وإمكانية الوصول إلى حديقة جيدة. 

وللأسف لم يحرك الارتباط بين سلامة الأطفال وتغير المناخ الإرادة السياسية لتقليص انبعاثات الكربون بالمعدل المطلوب الذي يتحدث الخبراء عنه. وربما يستلفت الضرر بالطفولة نفسها اهتمام الآباء وصناع السياسة. ويمكن بدء حوار عن طفولة قادرة على التكيف مع المناخ. وربما يتعين الصعود بهذه القضية إلى مكانة أعلى في قائمة الأولويات. فيجب أن تكون الطفولة فترة مقدسة لاضفاء معنى على الأشياء والاستمتاع بمساحة لبناء روابط مع الآخرين ومع الأرض بالاستلقاء على الحشائش والتأمل في السحب. وهذا الجيل بحاجة إلى وقت أكبر لمثل هذه الأمور عمن سبقهم. وسيلحق بنا خزي دائم إذا أدى تقاعسنا قصير النظر إلى سرقة الطفولة من الأطفال. 

إليوت هاسبل

مسؤول في برنامج سياسية وأبحاث التعليم في مؤسسة روبنز في ريتشموند بولاية فيرجينيا. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»